الماضي ..............
لماذا نفتش عن ذكرياته ونبحث عن ملامحه ..وتطاردنا دائما أيامه .. هل هو رفض للواقع ..أم هروب منه ؟ هل هو محاولة للبحث عن براءتنا الضائعة أم أننا نشعر أن هناك أشياء أخذتها الأقدار منا ولا نمتلك الحق في استردادها؟
إذا جلست مع صديق تراه يتحدث بشوق ..جارف عن ذكريات عمر مضى, وإذا اقتربت ِ من صديقة تجدِ ملامح الماضي تكسوا وجهها الحزين .. وكل واحد يتصور أن صفحات الماضي هي أغلى ما يملك .. حتى الشعوب وليس الأفراد فقط يحملهم حنين صاخب إلى أمجاد الماضي وذكرياته .
لا يستطيع الإنسان أبداً أن يتنكر لماضيه أو أن يقرر بينه وبين نفسه أن ينسف تاريخه مرة واحدة.
إن ماضينا جزء من حياتنا وهو الأب الشرعي للحاضر.
ومن ليس له ماض فلا حاضر له ولا مستقبل ..لا توجد شجرة عريقة من دون جذور ..ولكن توجد نباتات متسلقة.. ولا يوجد إنسان بلا ذكريات , وإذا قرر الإنسان يوما أن يقطع علاقته بالماضي فسوف يقطع علاقته بالحاضر بعد ساعات من رحيل ذلك الحاضر.
عزيزتي.. إذا كذب عليك رجل وقال لك انه لم يحب أحدا قبلك فسوف يتنكر لك يوما ويقول الكلام نفسه لغيرك .. أنا أخاف من الشخص الذي يمزق صور الماضي ويجلس على أطلالها.
ولا اصدق رجلا ادعى انه لا يعرف أحدا قبلي, ولكني احترم من لم يتنكر لماضيه حتى وإذا المني ذلك الماضي , على ما اعتقد لا يوجد رجل في زماننا هذا بلا تجارب , هناك فرق بين الحنين أحيانا إلى الماضي وبين معايشة هذا الماضي, لان الحنين يعني أن هناك شيئا مضى ويحملنا الحنين إليه , ولكن المعايشة تعني أننا مازلنا نتألم مع هذا الماضي , والحنين يعني أن الإحساس مات ولم يبق منه سوى لحظات تذكار عابرة , ولكن المعايشة تعني أن الإحساس مازال حيا في داخلنا ولا نملك الخلاص منه , ومن الظلم للإنسان أن يقيم لنفسه سجنا وأسوارا من الماضي.. بحيث يصبح سجنا له, خاصة إذا كان لم يترك خلفه إلا الألم , ومن الخطأ أن نفقد التواصل مع ذكرياتنا , ولكن لا ينبغي أبدا أن تصبح هذه الذكريات هي كل ما نملك , وقد يصبح الماضي عبئا على الحاضر لان الإنسان غير قادر على تجاوزه .
من الممكن جدا أن تقف امرأة في طريق إنسان طيلة حياته فلا هي كانت له ولا هو أصبح قادرا
على أن يكون لغيرها.
هذه المرأه تشبه الصخرة التي وقفت في طريق النهر وحولت مجراه إلي طريق أخر , فلا هو قادر على أن يرجع إلى نقطة البداية أو يستمر في مجراه , والأخطر من ذلك أن تصبح الصخرة سدا فيكون الطوفان , وهناك نماذج فريدة من البشر في كل شيء .
أنها نسخة وحيدة صاغها الخالق وخلق منها شخصا واحدا ووحيدا , وإذا قابلنا هذا الشخص في حياتنا وقدرت الأيام أن نفترق فان الماضي هنا يتحول إلى كابوس دائم.
إن الإنسان في هذه الحالة يحاول أن يبحث عن هذا الوجه الذي قابله يوما ولكنه يفشل في الوصول إليه , ويتحول عمر الإنسان إلى رحلة بحث أبدية عن صورة نادرة .
ويكتشف أنها غير قابلة للتكرار , وهنا يظهر أمامنا ذلك الطيف البعيد الذي يشبه السراب , وكلما اقتربنا منه اكتشفنا انه وهم خادع , هنا فقط يصبح الماضي كارثة لأنه ملك علينا الماضي والغد , وما أصعب أن تجلس وحيدا وإمامك صورة امرأة رحلت وأخذت معها الماضي وصادرت الحاضر , واقتحمت أسوار الغد .
هنا فقط يصبح الماضي محنة إنسان لم يستطيع أن يتجاوزه حتى وان حاول ذلك لأنه وهب عمره للبحث عن وجه واحد نسميه الحلم المستحيل.
اتمنى ان يبدي الاعضاء رأيهم حول الماضي وماهي العلاقة التي تجمعهم به ؟
تحية للجميع
